لحل هو معرفة منزلة الحسبة وتطوير رجال الهيئة لا شن حملات عليهم
تفاجأت وأنا أبحث من خلال الشبكة العنكبوتية أن هناك من أفراد مجتمعنا من يشن حملات على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويطالب بحلها ، وكانت هذه من المواضيع التي كانت في ذهني واتمنى أن أجد الوقت للكتابة فيها ، فانتهزت فرصة الإجازة لذلك .الذين يشنون هم فئة قليلة لا تمثل إلا نسبة ضئيلة من المجتمع ، إلا أن الإنسان يتعجب صدور هذا الأمر من أبناء مجتمعنا ، لأنه امتداد لمطلب عدواني ، لمحو كل شعيرة تميزت بها الأمة الإسلامية عن غيرها وخاصة هذه البلاد الطاهرة التي قامت على التوحيد بفضل من الله ، والذين يشنون من خارج البلاد على هذه الهيئة هم أكثر ، فصفقت بعض الأيدي الداخلية لهذا النداء ، فلا أعلم كيف تمتد الأيدي وتتجرأ على التنظيم الإلهي للمجتمع المسلم وتطالب بهذا الطلب الغريب ، فرجال الهيئة على ثغر هام ، ويواجهون نفوس بشرية متعددة الطباع ومتعددة الأجناس ، ويواجهون صعوبات كثيرة ومتنوعة أثناء أدائهم لعملهم ، ويحرمون أنفسهم متعة الإجازة التي نتمتع بها مع أولادنا وأقاربنا ، ويسهرون حفاظا على عورات المسلمين وتطهير المجتمع من المنكرات ، فكم من فتاة أنقذوها من الذئاب المفترسة التي لا هم لها إلا التلذذ بشهواتهم ، فكم من فتاة هددها صاحبها بنشر صورها ، وفضح علاقتها معه وبعد تيقظها من غفلتها كان رجال الهيئة هم الطريق الوحيد لإنقاذها ،والمنكرات التي يواجهونها لا حصر لها ، وهؤلاء أولياء الله يجب علينا مؤازرتهم والدعاء لهم بان الله يشد أزرهم ويرزقهم من يعينهم على أداء واجبهم . وقد توعد الله من عداء أولياء الله بقوله صلى الله عليه وسلم مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ) صحيح البخاري .كثيراً من الشباب يحملون على الهيئة لوقوفهم في طريقهم ، ويستاؤون عندما تراه الهيئة مع زوجته وتستفسر عن التي معه والسبب في ذلك أن رجال الهيئة ، يرونك مع واحدة متبرجة ، ويرون أنها لو كانت زوجتك لغرت عليها ولما سمحت لها بهذه العباءة المخصرة ، وهذا النقاب الملفت للانتباه . إذا الذين يخرجون مع زوجاتهم وزوجاتهم متحجبات حجاب شرعي لا يتعرضون لمثل هذه التساؤلات ، فمن أين مصدر الخطأ؟ثم هم لا يسألون من فراغ ، فلأنهم يعثرون على حالات متبلسة ومشينة فهم يسألون ليتأكدوا وليبعدوا الشك . ورجال الهيئة لهم جهود جبارة سواء كانت في مجال المخالفات في العقيدة ،أو الإخلال بالآداب العامة ، والإحصائيات التي رصدت كثيرة ولن استطيع ذكرها لأني أخشى أن أبخس في حقهم .فلماذا كل هذا التحامل مع تحملهم أعباء كثيرة لا يتحملها الناس العاديون ، وبعد تفكير بهذا التحامل الغريب فوجدت أنه لا دواعي لهذا التحامل ،ولكن هناك أربعة أسباب
أسباب التحامل الغريب على الهيئة
أولاً : تكبر على حكم الله
فإما التكبر على حكم الله فهو َأفحشُ أنواع الكبر ، وقد ذم الله من أراد غير حكمه فقال تعالى ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة:50) يقول تعالى:{ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ (146}(الأعراف) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يقولُ اللهُ تعالى :الكِبرِياءُ رِدَائي والعَظمَةُ إِزاري فمن نازعني واحِداً منها ألقيتهُ في جهنمَ ولا أبالي))رواه مسلم
ثانياً : الجهل بأهمية هذه الشعيرة
وأما الجهل بمنزلة هذه الشعيرة ، التي هي سبب في فلاح هذه الأمة ،فسببه أن مناهجنا تخلو من ذكر هذه الولاية ، ولا يأتي ذكرها إلا في المرحلة الجامعية وفي تخصص الدعوة والاحتساب ، نحن لانقول أنها يجب أن تدرس ، ولكن على الأقل يكون لها ذكر من ضمن الولايات الإدارية وبيان منزلتها من بينهن ، فالله سبحانه وتعالى حذر من الجهل واتباع الجاهلين لعواقبه الوخيمة وقد حذر الله أهل الكتاب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم أن يسيروا على خطا من سبقهم من الجهل والضلال فقال سبحانه : { قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ } المائدة:77والجهل من علامات الساعة التي قال فيها صلى الله عليه وسلم : مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَقِلَّ الْعِلْمُ وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ ……الحديث .، ولكن مع هذا الجهل وأسبابه إلا أنه من الواجب على كل من تمتد يده للكتابة في أي موضوع أن يقرأ عنه ويثقف نفسه حتى لا يظلم نفسه ولا يظلم مجتمعه فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولاية من أهم الولايات الإدارية التي يجب أن تقوم عليها كل دولة إسلامية ،ولم تمر دولة إسلامية في العصر الإسلامية إلا كان لها اهتمام كبير بها وجعلتها من أهم ولاياتها الإدارية ، وهي شعيرة عظيمة من شعائر الله تكون سبباً في فلاح الأمة فعندما أمر الله سبحانه وتعالى بتنصيب أمة تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر ختم الآية بقوله تعالى ( وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران:104)وهي صفة لحبيبنا المصطفى الذي وصفه الله بهذه الصفة في الكتب المنزلة التوراة والأنجيل والقرآن ، يقول تعالى ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ )(لأعراف: من الآية157)،وإقامة هذه الشعيرة قدوة للحبيب المصطفى ، و سبب التمكين في الأرض والتأييد والسداد ، قال تعالى (( وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)) (الحـج: 40-41) .والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الإصلاح الذي أشاد به القرآن وكان سبباً في النجاة من الهلاك قال تعالى ((وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)) (هود: 117ولا يكون الإصلاح ولا يكون إقامة الناس للقسط لا يكون بأمر ونهي وهي مهمة الرسل جميعاً قال تعالى ((لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ )) سورة الحديد : 25 .ولا تقتصر هذه المهمة على الرسل ، فينوب عنهم الرجال المصلحون ، الحكمة الإلهية تقتضي وجود هذه الفئة التي مهمتها الإصلاح والنهي عن الفساد في الأرض ، يحملون مشعل الرسالة ، ومشعل الإصلاح ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإذا وجدت هذه الفئة المخلصة فإنها تنقذ القرى الكبيرة من الهلاك التام عن طريق نهيها عن الفساد في الأرض قال تعالى ( فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ) (هود:116). وترك هذه الشعيرة العظيمة سبب في هلاك الجميع ، الصالح وغيره ، قال تعالى ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (لأنفال:25)و سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ )صحيح البخاري .والأدلة على وجوب إقامة هذه الشعيرة ، والنهي عن تركها والتوعد من نتائج تركها كثيرة، فأنني أخشى على من يطالب بحل هذه الشعيرة ، وهو أمر بمنكر وهذا والعياذ بالله أن يكون ممن اتصف بصفات المنافقين الذين قال الله فيهم(الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (التوبة:67)ولا يخفى على كل مسلم عاقبة النفاقإما
ثالثاً : التقليد والمحاكاة لما يقوله الأعداء
فإما إن كان تقليدا ومحاكاة لما يقوله الأعداء ،فالإسلام عزز الثقة بالنفس ونهى أن يكون الإنسان تبعياً من غير رأي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا وَإِنْ ) رواه الترمذي وحسنه ، والإمعة هو الذي لا رأي له فهو الذي يتابع كل احد على رأيه ولا يثبت على رأي ،فكان من الواجب الثبات على الحق ولو كان أهله قليل ولا يغتر الإنسان بكثرة الناعقين فالكثرة وصفها الله سبحانه وتعالى على وجه الذم فقال تعالى ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ)(البقرة: من الآية243) وقال ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)(لأعراف: من الآية187) وقال ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ)(هود: من الآية17) وتكرر هذا الذم في كثير من مواضع القرآن الكريم .والثبات على الحق دلالة الثقة بالنفس ومن ثم نتائجه القول السديد قال تعالى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) (الأحزاب:70)والقول السديد هو القول الصائب الذي تحققت مصلحته أو ترجحت مفسدته والقول السديد هو الذي دل عليه قول الحق تبارك وتعالى ( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (النساء:114)بل جعل الدعوة إلى الله هي أحسن الأقوال على الإطلاق قال تعالى ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت:33)لذا نجد أبا بكر وقفا صامداً عند رأيه في محاربة المرتدين فلمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ فَقَالَ وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ ) متفق عليه .فالحق مهما كان يعلو ولوكان قليلاً ، والقول السديد تقبله الفطرة السليمة كما قبل عمر بن الخطاب قول أبي بكر . ولا أعلم كيف يسمحوا لأقلامهم بنشر كل خطأ يرتكبه رجال الهيئة ، أو الحديث عنه أو وصفه بطريقة مشينة .
رابعاً : المناداة باسم الحرية الشخصية
فأما كان باسم المناداة بالحرية الشخصية ، فعلينا أن نفكر في عقولنا قبل أن نطلق أقلامنا ، فنحن أمة لها صبغة خاصة ،والمصطلحات المطلقة والتي يفهم البعض أن لها معنى عام ولكنها تتغير بتغير الشعوب والأمم لها معان خاصة في ديننا فإن ديننا الحنيف دين الحرية ، ودين الشورى ، لا يحجز على فكر أحد طالما هدا الرأي أو الفكر لايتعارض معه أوامره ومنهياته ، فالمقصود بها أن يكون الإنسان قادراً على التصرف في شئون نفسه، وفي كل ما يتعلق بذاته، آمناً من الاعتداء عليه، في نفسه وعرضه وماله، على ألا يكون في تصرفه عدوان على غيره. والحرية الشخصية تتضمن ،حرمة الذات ، فكرم الله بني آدم وحرم دمه وماله وعرضه ، وحرية التنقل داخل بلده وخارجه ، قال تعالى ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (الملك:15)ومن الحرية حرية المأوى و المسكن، وجعل لها حرمة خاصة قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النور:27)ولم تقتصر الحرمة على الدخول بل حتى في النظر قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ اطَّلَعَ فِي دَارِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَفَقَئُوا عَيْنَهُ فَقَدْ هَدَرَتْ عَيْنُهُ ـ رواه الجماعة .ومنها : حرية التملك: وللتملك نوعان تملك فردي ،و تملك جماعي.وكلا منهما جعل له الإسلام ضوابط وقيود . فجعل لاكتسابها وسائل مشروعة ، وجعل لصرفها ضوابط معينة ، ومن الحرية حرية العمل وطلب الرزق فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ أَحْبُلًا فَيَأْخُذَ حُزْمَةً مِنْ حَطَبٍ فَيَبِيعَ فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهِ وَجْهَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أُعْطِيَ أَمْ مُنِعَ وجعل ذلك في سبيل الله فقال صلى الله عليه وسلم : إن كان خرج يسعى على ولده صغاراً، فهو في سبيل الله،و إن خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله ،و إن كان خرج يسعى على نفسه يعضها فهو في سبيل الله، و إن كان خرج يسعى رياء و مفاخرة فهو في سبيل الشيطان). رواه الطبراني في الثلاثة ورجال الكبير رجال الصحيح.ومن الحرية حرية الاعتقاد فقال تعالى (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) (البقرة:256) وقال تعالى ( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ* لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) (الغاشية: ، 21 ـ 22)ومنها حرية الرأي أو حرية التعبير ، ومع كفر الكافرين وجدال المبطلين إلا أن الإسلام أعطاهم حرية الحوار والنقاش ، ولكن الإسلام جعل لها أهداف ، وهي لإحقاق الحق وإبطال الباطل ، ومنع الظلم ونشر العدل وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحاور ويناقش ، و يستشير أصحابه ويأخذ بآرائهم وإن كانت في أموره الشخصيةومن الحرية حرية التعلم والتفكر قال تعالى . ( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (العنكبوت:20)إذا الإسلام أعطى الفرد حرية الشخصية بجميع جوانبها ،ولكن جعل لكل جانب ضوابط معينة ، ولم يطلق العنان ، لأن ابن آدم ضعيف قال تعالى ( وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً)(النساء: من الآية28) ، فإن الإنسان لوترك له العنان لأفسد في الأرض وهذا أمر مفطور عليه ابن آدم لذا عندما أخبر الله الملائكة في خلق آدم قالوا ( أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ)(البقرة: من الآية30)ولننظر إلى أحوال الأمم غيرنا ، كيف وصلت أحوالهم باسم الحرية الشخصية التي من غير قيود
وصف أخطاء رجال الهيئة
إما أن يكون وصفاً حقيقياً أو بتعظيمه أو افتراء عليهم .فإما الوصف إن كان حقيقياً فأقول الخطأ من طبيعة البشر وكلنا خطأوون ، والخطأ الفردي لا يستلزم وقوع الخطأ من الجماعة،فهل عندما يخطأ المدرس في تدريسه نقل يحل التدريس وكل المدرسين خطاؤون ، وهل عندما يخطأ طبيب وقد وقعت أخطاء أدت إلى وفاة وإلى إعاقات متعددة ، فهل نعلق خطأ طبيب على جميع الأطباء ونطالب بأن يحل الطب ، ومع أن هؤلاء لا يواجهون إلا فئات معينة من المجتمع فالمدرس لا يقف إلا أمام طلابه ومع ذلك فهو عرضة للخطأ ، والطبيب لا يراجعه إلا المرضى ومع ذلك فهو عرضة للخطأ
أسباب تعرض رجال الهيئة للخطأ :
الأمر الأول : أنهم يواجهون المجتمع بأسره صالحه وغير صالحه ، وكباره وصغاره ونسائه وشبابه، فالشوارع تعج بالشباب بمختلف طبقاتهم والأسواق تعج بالنساء اللاتي توسع وكثر تبرجهن .
والأمر الثاني : أنهم يواجهون أهواء الناس وشهواتهم؛ والناس بطبعهم لا يحبون من يخالف هواهم في الجملة. فهل تريدون منهم أن يقفوا أمام هؤلاء النساء ويكون موقفهم موقف المتفرج
الأمر الثالث أن طبيعة عملهم وواجبهم الديني تستلزم تواجدهم بتواجد الناس وتجمعاتهم ، فهم الذين يأتون لا يؤتى إليهم ،.فيكون تواجدهم مع الناس ليس بخيارهم ( إي ليس بخيار الناس ، بينما المهام الأخرى يؤتى إليهم وفرق بين الأمران.
آثار المسارعة في نشر أخطاء الهيئة :
إن المسارعة إلى نشر أخطاء رجال الحسبة من مسارعة في الإثم وقد وصف الله اليهود بهذه الصفة فقال تعالى (وَتَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (المائدة:62)وقد توعد الله من ساعد على نشر الفاحشة بالكلام في قوله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ )(النور: من الآية19)ويعد من باب الغيبة التي غلظ الشرع فيها وتساهل الناس بسبب كثرة الوقوع فيها .أما إن كان الوصف بطريقة التفخيم والتعظيم والمبالغة ، فهذا أيضاً مذموم من الشرع لأنك قد تنقل للناس بطريقة الكلام ما لم يحصل وقد قال صلى الله عليه وسلم إِنَّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا أَوْ إِنَّ بَعْضَ الْبَيَانِ لَسِحْرٌ ،(صحيح البخاري ) والمعني تصويب الباطل وتحسينه حتى يتوهم السامع أنه حق أو يكون فيه بلاغة زائدة عن الحد،أو قوة في الخصومة حتى يسحر القوم ببيانه فيذهب بالرق ونحو ذلك،فسماه سحراً،لأنه يستميل القلوب كالسحروأما إذا كان الكلام افتراء فهو بهتان وهو وهو إتّهام المؤمن، والتجني عليه، بما لم يفعله، وهو أشد إثماً وأعظم جرماً من الغيبة، كما قال اللّه عز وجل: ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (الأحزاب:58)وقال صلى الله عليه وسلم : من بهت مؤمنا أو مؤمنة حبسه الله في ردعة الخبال يوم القيامة حتى يخرج مما قال، وليس بخارج“.رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجالهما رجال الصحيح
التفكير قبل الهجوم
علينا أن نفكر قليلاً قبل الهجوم ، ونرد كل ما تكلم فيه إلى حكم الله فطبيعة عقل البشر قاصرة ليست هي المرجع في الأمور ، بل هناك تشريعي إلهي يرد إليه كل صغيرة وكبيرة ، ولما كانت من طبيعة البشر المحاكاة والتقليد لذا جعل لنا قدوة نقتدي بها وهي رسول البشرية ومعلم الناس الخير .محمد صلى الله عليه وسلم فهل اقتدينا به .وبمنهجه فإذا كانت حالنا وصلت إلى ما وصلنا إليه من الذل والهوان لأعدائنا وهذه الشعيرة قائمة ، فكيف لو تحل لا قدر الله ؟
كيفية معالجة الأخطاء .
إن كانت هناك أخطاء فالواجب النظر في حل هذه الأخطاء ، لا حل الهيئة بأكلمها ، فأننا نخشى أن يصيبنا فتنة من الله أو عذاب أليم ، وإن كان هناك أفراداً غير مؤهلين فالخطأ ليس بخطئهم بل خطأ من وضعهم في المكان الذي يعتبر من أهم المهام في المجتمع لأن الحسبة عملية تفاعلية بين رجال الهيئة والمجتمع فهي تحتاج إلى علم عام وعلم خاص ، علم شرعي حتى يكون فقيها بما يأمر به وينهى عنه ، وعلم خاص بالحسبة فيكون عنده العلم بطريقة الإنكار ودرجاته وآدابه ، إضافة إلى سمات شخصية يجب أن يتسم بها المحتسب ، والتي تجعل المحتسب ينكر بطريقة مناسبة . لأن رجال الحسبة يتعاملون مع المجتمع باختلاف إفراده علميا ،وثقافياً واجتماعياً ، وتربوياً ، وعمرياً ، وهذا يحتاج إلى دراية واسعة ومهارات في التعامل وفهم للنفسيات والأعمار ومراعاة للظروف المختلفة ، فهم أي رجال الحسبة وجهازها وهي الرئاسة العامة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الطرق المقترحة لتطوير رجال الهيئة :
أولاً : تحويل الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. إلى وزارة حتى تكون لها ميزانية مناسبة تستطيع النهوض بجهازها وأفرادها وأدائهم
ثانياً : ـ إقامة دورات علمية وتطبيقية ، (شرعية ، ودورات خاصة بالحسبة ،ودورات مهارية ، وسلوكية ، وقد قامت بها الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولكن يجب أن تكون خطة استراتيجية ، عمودية وأفقية ، أفقية بحيث يلتحق بها جميع رجال الهيئة ، وعمودية ، بتأهيل مشرفين عليهم . وتكون كلاهما دورات متسلسلة مستمرة ، وتكون شاملة لجميع الجوانب المشار إليها .
ثالثا : فتح المجال لهم لإكمال تعليمهم في كلية الدعوة والاحتساب في جامعة الإمام وفق خطة استراتيجية ، بمنحهم تفرغاً بحيث بلتحق بها جميع غير المؤهلين وضع خطة لمدة عدد من السنوات حتى يتم إلحاقهم جميعاً
رابعاً : إحداث وظائف مشرفين باسم مشرف حسبة ، والترشيح لها ، وتكون مهمة المشرفين الإشراف على أعمال رجال الحسبة وتقويم أدائهم . بحيث يكون الترشيج وفق ضوابط معينة ، مثل : المؤهل بحيث لا يقل عن دكتوراة في نفس التخصص ، إضافة ِإلى الخبرات والمهارات والسمات الشخصية
خامساً : وضع حوافر مادية للمحتسبين الميدانيين ، مع إعادة النظر في ضوابط التعيين وتطويرها .أما واجبنا نحن فعلينا أن نراجع أنفسنا ونفكر في مصالح أمتنا ، ونتعاضد جميعاً لتطهير هذا المجتمع من كل المنكرات سواء كانت نابعة منه أو داخلة عليه ،فالأمة التي لا تستجيب لمن ينهاها تكون عرضة لعقوبات من الله سبحانه وتعالى قال تعالى ( فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) (لأعراف:166)والأمة التي لا تتناهي عن المنكر تستحق اللعن من الله سبحانه وتعالى كما لعن بني إسرائيل قال تعالى ((لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُون * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ )) (المائدة 78-79).والله عدل حكمه عادل فهو ينجي الناهين ويعذب المنهيين الذين لا يستجيبون قال تعالى ((فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) (لأعراف:165)
ولنرفع أكف الضراعة أن يلهم القائمين على هذا الأمر السداد في القول والعمل وأن يعينهم على أداء رسالتهم . أسال الله لهذه الأمة وأبنائها الفلاح والسعادة