انتقدت دراسة ميدانية بعنوان "العنف ضد المتزوجات" نظمها المجلس الأعلى لشؤون الأسرة قانون العقوبات القطري لعدم تضمّنهِ نصوصا تعاقب على العنف المنزلي أو الجرائم التي تحدث ضمن إطار الأسرة، وأشارت الدراسة التي قامت بها الدكتورة كلثم الغانم أستاذ علم الاجتماع المشارك بجامعة قطر- إلى أنَّ نقص القانون يمنح الممارس للعنف مساحة أوسع لممارسة العنف على من هم تحت ولايته، كما بينت الدراسة أنَّ القانون لا ينص على ما يسمى بجرائم الشرف التي تصل أحياناً إلى حد القتل أو الحبس داخل المنزل، وبالرغم من حدوث جرائم القتل هذه فإن أقصى عقوبة لم تزد حتى الآن على عدة سنوات سجن وبعضها يصل لشهور، حيث أضحى خوف الناس من الفضيحة أقوى تأثراً من الخوف من القانون بسبب عدم فاعليته وإهماله لهذا الجانب من الجرائم التي تتزايد يوماً بعد يوم نتيجة التغيرات الاقتصادية والثقافية المتسارعة- حسب ما ذكرت الدراسة-.
كما انتقد بعض الحضور ابتعاد الدراسة عن الطرح الإسلامي من خلال طرح وجهة النظر الدينية في قضية العنف ضد المرأة خاصة وأنَّ الشريعة الإسلامية أنصفت المرأة حق الإنصاف، مؤكدين ضرورة الابتعاد عن طرح نماذج من دول غربية وأوروبية لا تعتمد في دستورها على ما نعتمد عليه نحن كدول ومجتمعات إسلامية.
هذا وكشفت الدراسة التي استعرضتها الدكتورة الغانم خلال حلقة نقاشية حملت نفس العنوان صباح أمس بحضور عدد من المهتمين والمعنيين أنَّ (38%) من المبحوثات غير راضيات عن حياتهن الزوجية معتبرة أنَّ النسبة ليست بالمنخفضة وعلى المعنيين بالمجلس الأعلى لشؤون الأسرة والمؤسسات المعنية بالمرأة والطفل أنَّ يعدوا دراسة بهذا الشأن على اعتبار هذه النسبة مؤشرا خطيرا في مجتمع كالمجتمع القطري، وهذا مؤشر له علاقة بطبيعة العلاقة الزوجية وبأسس الاختيار الزوجي في المجتمع، وبعدم القدرة على التكيف مع الاختلافات التي تكشف عنها الحياة المشتركة وشخصية الشريك، حيث كشفت الدراسة عن ارتفاع عدد اللاتي يتعرضن للعنف كلما انخفض مستوى التعليم، الأمر الذي يؤكد علاقة قدرة المرأة على التعامل مع المشكلات والمواقف التي تمر بها وأيضاً بقدرتها على التعامل مع المشكلات والمواقف التي تمر بها، وأيضاً بقدرتها على توفير دخل خاص بها بالصورة التي تقلل من أسباب الخلافات الزوجية ويزيد من ثقتها بنفسها.
وكشفت الدراسة أنَّ (3%) فقط من المبحوثات يلجأن إلى المؤسسات المعنية بحماية المرأة مما يشير إلى انخفاض دور هذه المؤسسات سواء بالرصد أو بالتوجيه، وعدم قدرتها على الوصول إلى الحالات التي تحتاج إلى المساعدة، وبطبيعة القيم التي تحكم الأفراد والتي تمنعهم من الاستعانة بهذه المؤسسات والاستفادة من الخدمات التي تقدمها، و(44%) من المتزوجات يلجأن إلى أهلهنَّ عند حدوث مشكلة للحصول على الدعم، وهناك (15) حالة فقط يمثلنَّ (1%) من العينة يلجأن لمكتب الاستشارات العائلية للحصول على استشارة زوجية..
عدم استقلالية الأسرة
كما اعتبرت الباحثة التي أجرت الدراسة على (1200) تم اعتماد (1117) إمرأة قطرية متزوجة منهنَّ (64%)من مدينة الدوحة، و(20%) من مدينة الريان، و(5%) من مدينة الوكرة أنَّ انخفاض مستوى دخل الأسرة أسهم في زيادة فرص العنف الموجه للمرأة سيما وأنَّ الدراسة كشفت أنَّ (20%) من العينة يصل دخلها إلى أقل من (5000) ريال قطري، مؤكدة أنَّ هذا السبب يتطلب دراسة للتعرف على أسباب انخفاض مستوى دخل الأسرة القطرية والتي يشاع أنَّ دولة قطر من إعلى الدول في معدلات دخل الفرد.
كما طالبت الباحثة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة بالبحث وراء الأسباب التي تقف وراء عدم استقلالية الأسر القطرية في العيش بمنازل مستقلة عن أسرة عائلة الزوج مستشهدة بالدراسة التي بينت أنَّ (34%) من المبحوثات أكدنَ أنَّ وجودهنَّ مع أسرة الزوج سبب رئيسي في وقوع العنف عليهنَّ..
(14%) معنفات
وكشفت الدراسة أنَّ النساء ما بين (10%-14%) يتعرضنَّ للعنف بمختلف أنواعه والذي يصل إلى الضرب والإجبار على المعاشرة الجنسية بطريقة غير شرعية، والإستهزاء والسخرية، والتحرش جنسياً بالأبناء..
كما كشفت الدراسة انتشار بعض السلوكيات التي تعتبر من المؤشرات على احتمالات تعرض الزوجة للعنف منها غضب الزوج لأتفه الأسباب وقد وصلت النسبة إلى أن (12.4%) من المبحوثات يتعرضنَّ لغضب الزوج لأتفه الأسباب بصفة دائمة، وهناك (15.2%) يتعرضنَّ لذلك أحياناً و(20.4%) يحدث لهنَّ ذلك بصفة نادرة، وأكدت الدراسة أنَّ المهم في هذا المجال هو أنَّ الحالات اللاتي يتعرضنَّ لغضب الزوج بصفة دائمة يعشنَ ضمن علاقة زوجية قد تتحول إلى الإساءة والعنف في شكله المادي من قبل الزوج في أي لحظة حيث يحتاج بعض الأزواج إلى برامج لتعديل السلوك وبرامج لإدارة الذات والتحكم في الغضب لتفادي انهيار الحياة الزوجية وتقليل فرص تعرض الزوجة للعنف..
كما كشفت الدراسة أنَّ التهديد بالسلاح والضرب والصفع والتحرش من أكثر المظاهر السلوكية الشديدة الخطورة والتي بلغت نسبة حدوثها (12%)..
وعرجت الدراسة على المستوى الاقتصادي للمتزوجات حيث تبين أنَّ معظم المتزوجات ينتمين إلى أسر من المستوى الاقتصادي المتوسط حيث إنَّ متوسط الدخل الشهري للأسرة يصل إلى (1060) ريال قطري، إلا أنَّ الدراسة بينت أنَّ هناك (154) سيدة يعشنَ ضمن أسر يقل دخلها الشهري عن (5000) ريال قطري، و(39) سيدة يقل عن (1000) ريال، و(19) أقل من (500) ريال، ويشكلنَ(20%) تقريباً من حجم العينة، وهذه تشير إلى أنَّ بعض المتزوجات لا يتوافر لديهنَّ دخل شهري كاف أو أنهن من اللواتي لا يستطعنَ الاعتماد على أنفسهنَّ نتيجة عدم قدرتهن على سدّ احتياجاتهن الاقتصادية وبالتالي تزداد الضغوط الاقتصادية على الأسرة مما يزيد من احتمالات ظهور المشكلات بين الزوجين ويزيد من مخاطر تعرضهن للعنف..
وأشارت البيانات الإحصائية إلى انخفاض تدريجي لمعدل الخصوبة الكلية لدى الإناث القطريات فبعد أن كان (4.4%) في الـ1997 انخفض إلى (3.9%)في عام 2004 إلا أنه لا يزال يصنف ضمن المعدلات العالية ويماثل مثيلاته في باقي الدول النامية، ويظهر استمرار ارتفاع معدل الخصوبة إلى أنَّ الثقافة الإنجابية في المجتمع لم تتغير رغم ارتفاع المستوى التعليمي للقطريين، ورغم ظهور بوادر تدل على تأثر الخصوبة بمستوى التعليم عند المرأة، حيث تشير بيانات (1997) و(2004) إلى انخفاض الخصوبة مع ارتفاع المستوى التعليمي للمرأة.
تعاطي الخمور والعنف
وتطرق أحد فصول الدراسة إلى عوامل المخاطرة في العلاقة الزوجية حيث أجمعت الدراسات أنَّ تناول الزوج للمشروبات الكحولية من أهم العوامل التي تؤدي إلى تعرض الزوجة للعنف وكان من المهم التعرف على نسبة الزوجات اللاتي يتناولن أزواجهنَّ الكحول لتحديد نسبة المتعرضات لخطر العنف وإن كان ليس من الضروري أن يكون تناول الكحول مسببا للعنف بين الزوجين إلا أنه من أهم عوامل الخطورة..
وأوصت الدراسة بضرورة تأسيس قاعدة بيانات دقيقة حول ضحايا العنف وخصائصهم وأسباب العنف ومصادره، ودعت لضرورة تطوير الإحصاءات المعنية بالعنف الواقع على المرأة حيث إنَّه في ضوء نقص البيانات الخاصة الرسمية بالعنف الأسري وعدم توافر أساليب التسجيل العلمية لحالات العنف فإنَّ المجتمع بحاجة إلى تطبيق مجموعة من الإجراءات التي تسهم في تأسيس قاعدة بيانات حول المشكلة كحث الأجهزة الأمنية والقضائية والطبية والمدارس ومؤسسات الرعاية والمجتمع وإلزامها قانونياً بتسجيل العنف ، وتطوير أساليب تسجيل الحالات لدى الأجهزة المعنية لكي تشتمل على استخدام مؤشرات معينة تكشف عن العنف وتحدد نوعه وخصائص الضحية والمعتدي وطرق التعامل مع الضحية مع العنف الواقع عليها، والعمل على تأسيس مرصد لجمع البيانات وتحديد مصادرها والتأكد من عدم تكرار حالات التسجيل وتصنيفها، حيث يقترح تأسيس مركز وطني للبحوث الاجتماعية والسلوكية الجنائية.
ودعت التوصيات إلى تطوير دور أجهزة القضاء والشرطة بالنسبة لقضايا العنف الأسري من خلال تأكيد قوة القانون بإبعاد الملابسات والاعتبارات العائلية والقرابية وثقافة المجتمع من التأثير على حقوق الأفراد المتساوية بالحماية والتقاضي.
وطرحت الحلقة النقاشية من خلال الدراسة برنامج العمل للحماية من العنف الأسري للمرحلة المقبلة كتطوير إجراءات رصد حالات العنف الأسري واستخدام مؤشرات عوامل المخاطرة..
هذا وقد استهلت الحلقة النقاشية بكلمة للسيدة نور المالكي –مدير إدارة المرأة- بالمجلس الأعلى لشؤون الأسرة أكدت من خلالها أنَّ المجلس تصدى لهذه الظواهر الاجتماعية بجرأة ومسؤولية لمشكلة العنف الموجه للمرأة والطفل في إطار الأسرة، إدراكاً منه أنَّ هذه المشكلة تهدد أمن واستقرار الأسرة في قطر، كما قام المجلس بمراجعة التشريعات ذات الصلة بهدف العمل على ردع مرتكبي العنف ومعاقبتهم وحماية ضحايا العنف..
وأكدت أنَّ الدراسة تكتسب أهميتها من خلال عرض النتائج للمواجهة الشاملة لهذه القضية التي باتت من القضايا ذات الأهمية في المجتمع القطري.